مقدمة عامة
نقع المؤسسة في قلب النشاط الاقتصادي المعاصر،فهي المنبع الرئيسي للرفاهية المادية،وتبقى بالنسبة لمعظم الأعوان الاقتصاديين المكان الرئيسي للعمل،حتى الحياة الاجتماعية،كما أن المؤسسة هي المكان الذي تمارس فيها طرق التسيير العقلانية الموجهة لبلوغ الأهداف الاقتصادية أو الاجتماعية،وفي هذا السياق فهي بمثابة المكان الذي تتلاقى فيه الأفكار التي نسمح بالوصول إلى نظريات تفسيرية ووصفية التي تنشق من خلالها التطبيقات الإدارية.
إن التنوع في الحقائق اليومية للمؤسسات وفي النظريات التي تقودها يزيد من أهمية وفائدة اقتصاد المؤسسة،فالمؤسسات تتنوع وفقا لعدة معايير:مجال النشاط،الحجم،الوضعية القانونية،نمط الإدارة...،وبالتالي فإن لكل مؤسسة غايات (Finalité) متمثلة في المساهمة في تلبية حاجيات الأعوان الاقتصاديين من سلع وخدمات.
من أجل ذلك فإن التسيير الحسن للمؤسسة يفترض إيجاد التنظيم المناسب من خلال اختيار الهيكلة المناسبة التي تسمح بتحديد المسؤوليات والواجبات لكل فرد داخل المؤسسة،مع تصميم نظام معلوماتي يسمح باتخاذ القرارات الرشيدة وشبكة للاتصالات تسمح بتحديد سياسة عامة للمؤسسة واستراتيجية مكيفة مع البيئة الداخلية والخارجية،خاصة وأن منذ حوالي ثلاثون سنة كان العالم الاقتصادي مسرحا لتحولات عميقة ساهمت في تحويل معطيات المنافسة والمتطلبات في مجال التنافسية:عولمة الأسواق،اكتشافات علمية والإبداع التكنولوجي وبالخصوص انفجار ملحوظ لتكنولوجيات الإعلام والاتصال،تطور متطلبات الأعوان الاقتصاديين (المستهلكين،الموردين،الملاك….)،وبالتالي وفي ظل هذه المتغيرات هناك مجموعة من العوامل والأوراق الرابحة التي يمكن أن تساهم في تحسين نجاعة المؤسسة،ومن بينها:المرونة،الجودة،ثقافة المؤسسة،الذكاء الاقتصادي،المواصفات العالمية...
الفصـل الأول: مفـاهيـم أسـاسـيـة حـول المـؤسسـة الاقـتـصاديـة
تعتبر المؤسسات الاقتصادية بمثابة النواة الأساسية في النشاط الاقتصادي للمجتمع،كما أنها تعبر عن علاقات اجتماعية،لأن العملية الإنتاجية تتضمن مجموعة من العناصر البشرية متعاملة فيما بينها من جهة والعناصر المادية وعناصر أخرى معنوية من جهة ثانية كما يشمل تعاملها المحيط،ولقد اتخذت المؤسسات الاقتصادية عبر التاريخ أشكالا مختلفة،وبالأخص في القرن العشرين،حيث تطورت بصفة كبيرة تجاوزت الدورين الاقتصادي والاجتماعي لتقتحم الدور السياسي (الشركات متعدية الجنسيات)،ولهذا سنتطرق إلى مجموعة من المفاهيم تسمح للقارئ فهم مختلف مكونات المؤسسة وسير نشاطاتها ...
1- الدورة الاقتصادية: هناك نوعين أساسيين من الدورات الاقتصادية وهما (1):
• الدورة الاقتصادية البسيطة (élementaire)
• الدورة الاقتصادية الكاملة (complet)
1.1- الدورة الاقتصادية البسيطة: تتمثل في ظهور حاجيات لدى الأفراد تتجلى من خلال الرغبات (حاجة
للأكل،حاجة للنزهة،حاجة للتنقل،...)،وبالتالي فإن هذه الحاجيات لابد أن تلبى بطريقة أو بأخرى،ومنه فلابد من استهلاك سلع وخدمات لإشباع هذه الرغبات،ولكن بما أن السلع والخدمات لا توجد في حالتها الطبيعية بل لابد من إنتاجها.نستنتج بأن الاستهلاك والإنتاج عمليتين أساسيتين في كل نشاط اقتصادي،وهو ما يقود إلى بروز دورة بسيطة حيث الأعوان الاقتصاديين (منتجين) يحولون الموارد إلى منتجات موجهة إلى أعوان اقتصادية أخرى (مستهلكين)،وعامة نجد أن هذه السلع تتبادل في الأسواق مقابل النقود أو القروض،والشكل رقم (1) يبين لنا ذلك بوضوح.
الشكل رقم (1): الدورة الاقتصادية البسيطة
سلع وخدمات
نقود
SOURCE:Pascal Laurent – Francois Bouard,OPCIT,P 14
2.1- الدورة الاقتصادية الكاملة: تظهر هذه الدورة ثلاثة مستويات للنشاطات:
أ. العمليات على السلع والخدمات: تتمثل في إنتاج السلع والخدمات الموجهة للمستهلكين.
ب. التوزيع( La repaetition): تتمثل في توزيع المداخيل المحصلة من قبل المنتجين (الأجور،الأرباح،الإيجار…)،وقد توزع على شكل خدمات لأسباب اقتصادية واجتماعية.
ت. تمويل الاقتصاد: قد لا تصرف كل المداخيل وبالتالي من الضروري تحصيل الادخار من أجل الاستفادة منه في تمويل الاقتصاد (وضعه من طرف المستهلكين في مختلف البنوك ليستفيد منه المنتجين على شكل قروض من أجل القيام بمختلف النشاطات التي تتطلبها العملية الإنتاجية والبيعية).
نستنتج بأن الدورة الاقتصادية تضم أربعة أنواع من الأعوان الاقتصادية وهم:
- المنتجين: ينتجون سلع وخدمات موجهة إلى المستهلكين،ويوزعون المبالغ التي يقبضونها من مبيعاتهم على الأجور،الإيجار،الأرباح أو يحتفظون بجزء منها لحاجيات المؤسسة المستقبلية.
- المستهلكين: يستهلكون السلع والخدمات التي يشترونها بفضل دخولهم الأولية المحصل عليها من خلال نشاطهم اليومي (الأجور).
- الإدارات (Les administrations): تقوم باقتطاع من المداخيل الأولية للأفراد والمؤسسات (الضرائب والرسوم..)والتي تعيد توزيعها على شكل خدمات متنوعة أو خدمات مجانية (نشاطات الدولة،الضمان الاجتماعي،…).
- الهيئات المالية: تقوم بجمع الادخار الذي يحوزه الأعوان ذوي القدرة التمويلية العالية من أجل إقراضه إلى المحتاجين إلى التمويل (المؤسسات الإنتاجية،الخدمية،)،وتتمثل في البنوك،صناديق التوفير...
والشكل رقم (2) يبين لنا الدورة الاقتصادية الكاملة.
الشكل رقم (2) : الدورة الاقتصادية الكاملة
سلع وخدمات غير تبادلية ضرائب،رسوم…
خدمات ضرائب أجور،أرباح،إيجار….
سلع وخدمات تبادلية نقود نقود نقود قروض،حقوق ديون
SOURCE: Pascal Laurent et autres ,OPCIT,P15
2- تعريف المؤسسة الاقتصادية: هناك عدة تعاريف للمؤسسة الاقتصادية وذلك عبر مختلف الأزمنة ،وعليه سنحاول تقديم بعض التعاريف،لأنه من الصعب الاعتماد على تعريف واحد يشمل مفهوم المؤسسة وذلك للأسباب التالية(2):
- التطور المستمر الذي نشهده المؤسسة الاقتصادية في طرق تنظيمها وفي أشكالها القانونية منذ ظهورها وخاصة في القرن 20.
- تشعب واتساع نشاط المؤسسات الاقتصادية،سواء الخدمية منها أو الإنتاجية،وقد ظهرت مؤسسات تقوم بعدة أنواع من النشاطات في نفس الوقت وفي أمكنة مختلفة مثل المؤسسات متعددة الجنسيات.
- اختلاف الاتجاهات الاقتصادية والإيديولوجيات (اشتراكية-ليبيرالية ).
بصفة عامة يمكن اعتبار كل الأعوان الاقتصاديين المساهمين في النشاط الاقتصادي،ما عدى المستهلكين،مؤسسات (البنوك،شركات التأمين،صناع السيارات،الموزعين…)،كما أنها عبارة عن تجمع لأشخاص مهيكلين ومنظمين ولديهم غايات اقتصادية ويسعون إلى تحقيق أهداف معينة (الربح،النمو،تنمية سمعة المؤسسة…).
من خلال ما سبق يمكن سرد بعض التعاريف المتعلقة بالمؤسسة الاقتصادية:
المؤسسة هي مجموعة أشخاص مهيكل ومتدرج،موجه لإنتاج السلع والخدمات القابلة للمتاجرة،بهدف تحقيق أقصى ربح(3).
يعرف M.Truchy المؤسسة على أنها : " الوحدة التي تجمع فيها وتنسق العناصر البشرية والمادية للنشاط الاقتصادي."(4)
" منظمة تجمع أشخاصا ذوي كفاءات متنوعة تستعمل رؤوس الأموال وقدرات من أجل إنتاج سلعة ما،والتي يمكن أن تباع بسعر أعلى من سعر تكلفتها."(5)
يمكن القول بأن تعريف المؤسسة عرف تطور منذ ما يقارب ثلاثة قرون،بعد ما كانت المؤسسات تتميز بعمليات السوق إذ عرفت كمؤسسة تسويقية لإنتاج السلع والخدمات،وكانت المؤسسات الأولى تعرف كمنظمات فلاحية صغيرة حيث تتميز بصغر حجمها وبقدرة تكنولوجية بسيطة وبعلاقات مباشرة وشخصية بين صاحب المؤسسة والعمال.وتطور هذا الوضع حسب كوتا إلى ثلاثة اتجاهات وهي(6):
- اتساع الحجم .
- كثرة المنازعات الاجتماعية.
- تعقد أنماط التسيير (أقل تكلفة،تسيير الموارد البشرية،تحليل الأسواق…).
يمكن أن تعرف المؤسسة على أنها: " منظمة اقتصادية واجتماعية مستقلة نوعا ما،تؤخذ فيها القرارات حول تركيب الوسائل البشرية،المالية،المادية والإعلامية بغية خلق قيمة مضافة حسب الأهداف في نطاق زماني ومكاني" (7)، كما يعرف شومبتر (SHUMPTER) المؤسسة بأنها :"مركز للإبداع ومركز للإنتاج"(8).
نستنتج في نهاية تعريفنا للمؤسسة بأنه ليس هناك تعريف موحد ومتفق عليه،وبغية تبسيط وتوضيح مفهوم المؤسسة،سوف نعتمد على ثلاثة محاور للمقاربة،وهي(9) :
- المؤسسة بصفتها عون اقتصادي، - المؤسسة منظمة اجتماعية، - المؤسسة كنظام.
• المؤسسة بصفتها عون اقتصادي: حسب هذا الاقتراب يمكن تعريف المؤسسة على أنها: " المؤسسة
تنسق بين عوامل الإنتاج (رأس المال-العمل-الطبيعة) بغية إنتاج سلع أو خدمات موجهة للسوق ومنه الوصول إلى تلبية الاحتياجات (الطلب).المحور الرئيسي لهذه النظرة يتمثل في الحصول على إنتاج مع تواجد مركز للقرار في المؤسسة،متمثلا في سلطة الإدارة وقدراتها التسييرية،من حيث تنظيم عملية الإنتاج بحسب إمكانيات المؤسسة والمتغيرات البيئية الخارجية.
• المؤسسة منظمة اجتماعية: حسب هذا الاقتراب يمكن تعريف المؤسسة على أنها: " مجموعة من الأفراد يشركون وينسقون جماعيا في منظمة مهيكلة(داخل تنظيم مهيكل) لإنتاج السلع أو الخدمات".محور التعريف يركز على منظمة مهيكلة،فالمؤسسة لم تعد ينظر إليها من زاوية ميكانيكية لعملية الإنتاج ولكن كمنظمة اجتماعية،وعليه يتم دراستها من خلال تنظيم السلطات،توزيع المهام،اتخاذ القرار،مواقف تصرفات الأفراد...
• المؤسسة كنظام (L’entreprise-Systeme): حيث تسمح لنا هذه النظرة بإثراء الفهم الحقيقي لسير المؤسسة،يركز مفهوم النظام على تواجد عدة عناصر مترابطة فيما بينها عن طريق عدة ارتباطات(علاقات)،مع بقاء الكل منظم ومتساندا بغية تحقيق هدف موحد.وعليه فإن المؤسسة ما هي إلا مجموعة من مجموعة من الأنظمة الفرعية المترابطة فيمت بينها بالعديد من العلاقات التبادلية (نظام الموارد البشرية،نظام الإنتاج،نظام التسويق،النظام المالي،نظام المعلومات...)،فضلا عن ضرورة الإلمام بجزء مهم من النظام الكلي للمؤسسة وهو البيئة الخارجية للمؤسسة التي تعتبر عنصرا مهما من عناصر النظام(10).
3- خصائص المؤسسة الاقتصادية: تتميز المؤسسات الاقتصادية بمجموعة من الخصائص من بينها:
1.3-المؤسسة مركز للتحويل (Centre de transformtion): إن المؤسسة هي ذلك المكان التي يتم فيها تحويل الموارد (المدخلات) منتجات تامة الصنع (سلع وخدمات)،وتتمثل الموارد في المواد الأولية،رؤوس الأموال،المعلومات،الأفراد،والشكل رقم (3) يبين لنا المؤسسة كمركز للتحويل.
الشكل رقم (3 ): المؤسسة مركز للتحويل
الموارد سلع وخدمات
SOURCE:Pascal Laurent – Francois Bouard,OPCIT,P 15
2.3-المؤسسة مركز للتوزيع (Centre de repartition): تعتبر المؤسسة المكان الذي يتم فيه تقسيم وتوزيع الأموال المتأتية من بيع السلع والخدمات،وذلك تحت أشكال مختلفة ليستفيد منها مختلف الأعوان الاقتصادية التي ساهمت في العملية الإنتاجية،مثل:
- الأجور التي توزع على العمال الأجراء.
- الأرباح ومداخيل أخرى التي توزع على الملاك الذين خاطروا برؤوس أموالهم سابقا.
- مستحقات الإيجار الخاص بالمقرات والمعدات الخاصة بالمؤسسة.
- الفوائد التي تدفعها المؤسسة للبنوك تعويضا للأموال المقترضة.
- دفع مستحقات الموردين.
- تسديد الضرائب والاشتراكات في الضمان الاجتماعي.
3.3-المؤسسة مركز للحياة الاجتماعية (Centre de vie sociale): تعتبر المؤسسة مكان يتم فيع العمل جماعيا (رجال ونساء) من أجل الوصول إلى تحقيق أهداف المؤسسة وذلك بالتعاون والتنسيق في إطار احترام القواعد وقيم المؤسسة،حيث يقضي أغلبية العمال ثلث (1/3) أو أكثر من حياتهم في المؤسسة مما يؤدي إلى ترسيخ العديد من المظاهر بين العمال:صراعات،محبة،خيبة أمل،رضاء...وعليه فإن المسير في المؤسسة يحاول التكيف مع الاختلافات في اتجاهات العمال وأفكارهم وإيديولوجياتهم وأهداف تواجدهم في المؤسسة،وذلك من أجل تحقيق أهداف المؤسسة بأكبر فعالية.
4.3-المؤسسة مركز القرارات الاقتصادية (Centre de decisions): تلعب المؤسسة دورا مهما في الاقتصاد باعتبارها مركزا للقرارات الاقتصادية التي تخص:نوع المنتوجات،كمية المنتوجات،الأسعار،التوزيع،التصدير،الاتصال…،تتمثل هذه القرارات في الاختيارات في استعمال الوسائل المحددة للوصول بأكثر فعالية للأهداف المسطرة،ذلك لأن المؤسسة عند قيامها بمختلف نشاطاتها تجد نفسها مجبرة على اتخاذ قرارات متعددة على مختلف المستويات وفي فترات مختلفة (قصيرة،متوسطة،طويلة) وحسب درجة أهميتها(استراتيجية،تكتيكية،عملية).
إن اتخاذ القرارات من مسؤوليات الإدارة في المؤسسة ويترتب عليها نتائج مختلفة،وعليه لابد من مراعاة العوامل التي قد تؤثر على عملية اتخاذ القرار (المؤهلات،الأهداف،الموارد،البيئة)،حتى تتمكن المؤسسة من اتخاذ القرار السليم الذي يسمح لها بتقليل حالات عدم التأكد ويزيد من فرص النجاح،وذلك في ظل ضغط المنافسة والمساهمين والمستهلكين والأجراء.
5.3-المؤسسة شبكة للمعلومات (Reseau d’informtions): إن اتخاذ القرارات الرشيدة يتطلب معلومات من مصادر مختلفة (داخلية وخارجية عن المؤسسة )،وبالتالي يتحتم على المؤسسة إعداد أنظمة قادرة على إنتاج المعلومات أو ما يسمى بنظام المعلومات وتحويلها إلى المقررين (نظام اتصالات) من أجل إنجاز المهام المنوطة بهم على أكمل وجه،وتعتبر الشبكة المعلوماتية والإتصالية بمثابة العنصر الحيوي للمؤسسة.
6.3-المؤسسة مركز للمخاطرة: إن المؤسسة معرضة للخطر باستمرار،حيث يمكن أن تخسر جزء أو كل تسبيقاتها المالية والمادية في حالة الفشل،وترتبط هذه المخاطر بصعوبات التسيير وضغط المنافسين ومتطلبات الزبائن،ولهذا نجد بأن رأسمال المؤسسة يشارك فيه عدة أشخاص أو مؤسسات من أجل جمع مبالغ مالية معتبرة من جهة ومن جهة ثانية تقليل المخاطر والخسائر في حالة الفشل.